من "الإسلاموفوبيا" إلى "كراهية المسلمين".. حزب العمال البريطاني يعيد رسم حدود النقاش حول الإسلام
من "الإسلاموفوبيا" إلى "كراهية المسلمين".. حزب العمال البريطاني يعيد رسم حدود النقاش حول الإسلام
قالت صحيفة “تليغراف” البريطانية الأحد إن حزب العمال البريطاني قرر إلغاء تعريفه السابق لـ"الإسلاموفوبيا" واستبداله بصياغة جديدة تُركّز على “كراهية المسلمين”، في خطوة وصفت بأنها محاولة لتجاوز الجدل المستمر منذ سنوات حول المصطلح وما يثيره من حساسيات سياسية وقانونية.
ويأتي هذا التعديل بعد أن شكّلت قيادة الحزب مجموعة عمل متخصصة لمراجعة تعريف الكراهية الدينية ضد المسلمين، انتهت إلى وضع صياغة جديدة تستبعد استخدام مصطلح الإسلاموفوبيا، الذي أُقر عام 2019، وتستبدله بعبارة "كراهية المسلمين".
نحو تعريف أكثر تحديدًا
وبحسب ما أوردته “الصحيفة، فإن مجموعة العمل، التي ضمت خبراء قانونيين وشخصيات أكاديمية وممثلين عن المجتمع المدني، رأت أن المصطلح القديم كان فضفاضًا ومثار التباس، لأنه يخلط بين انتقاد الإسلام كدين والتمييز أو الكراهية ضد أتباعه.
وأوضح مصدر مطّلع على المراجعة أن النسخة الجديدة من التعريف، والتي يقودها الوزير المحافظ السابق دومينيك جريف، حذفت أي إشارات إلى الإسلاموية أو الانتماء إلى الإسلام، مركّزة بدلًا من ذلك على الكراهية الموجهة نحو الأفراد أو الجماعات بسبب كونهم مسلمين أو يُعتقد أنهم كذلك.
وتُعرض الصياغة الجديدة حاليًا على وزير المجتمعات المحليّة ستيف ريد للمراجعة النهائية قبل اعتمادها رسميًا ضمن مدوّنة قواعد السلوك الخاصة بحزب العمال.
بين حماية المسلمين وحرية التعبير
يرى مراقبون في بريطانيا أن التعديل الجديد يعكس سعي الحزب إلى إيجاد توازن دقيق بين حماية المسلمين من التمييز والحفاظ على حرية التعبير والنقاش العام حول الدين، وهي قضية أثارت جدلًا واسعًا داخل الأوساط السياسية والإعلامية منذ تصاعد الهجمات الإرهابية في أوروبا قبل عقدين تقريبًا.
فبينما يطالب ممثلو الجاليات المسلمة بإطار قانوني أكثر صرامة لمواجهة خطاب الكراهية والتحريض، يحذر آخرون من أن تعريفًا واسعًا للإسلاموفوبيا قد يؤدي إلى تقييد النقاش المشروع حول الدين أو السياسات التي ترتبط به، خاصة في مجالات مثل التطرف أو الحجاب أو المدارس الإسلامية.
وفي هذا السياق، قالت البارونة صايلة جوهر، عضوة مجلس اللوردات عن حزب المحافظين، والرئيسة التنفيذية لشبكة النساء المسلمات في بريطانيا، إن النسخة الجديدة “ستُرضي أولئك الذين شعروا بأن التعريف السابق كان مبهماً أو قد يُستخدم لتكميم النقاش”.
وأضافت أن الجمهور سيفاجأ بشكل إيجابي عندما يرى تعريفًا يميّز بوضوح بين الكراهية ضد المسلمين كأفراد، والنقاش العام المشروع حول الإسلام كدين، معتبرة أن هذه الخطوة “تبدّد المخاوف من خلط المفاهيم أو فرض رقابة فكرية غير مقصودة.
من المصطلح إلى السياسات
تعود جذور النقاش حول تعريف الإسلاموفوبيا في بريطانيا إلى عام 1997، حين أصدر “المركز البريطاني لرصد العنصرية” أول تقرير رسمي استخدم المصطلح لتوصيف ظاهرة التمييز ضد المسلمين. ومنذ ذلك الحين، تبنّت بعض المؤسسات والهيئات الحكومية مصطلح الإسلاموفوبيا، بينما فضّلت جهات أخرى مصطلحات بديلة مثل الكراهية المعادية للمسلمين.
في عام 2019، اعتمد حزب العمال –آنذاك بقيادة جيريمي كوربن– تعريفًا وصف الإسلاموفوبيا بأنها “شكل من أشكال العنصرية الموجّهة ضد التعبير عن الهوية الإسلامية أو ما يُفترض أنها إسلامية، لكن هذا التعريف واجه انتقادات حادة من بعض الأكاديميين والسياسيين الذين رأوا أنه غير دقيق قانونيًا، وقد يُستخدم لتقييد حرية التعبير.
الحزب الحاكم آنذاك، حزب المحافظين، رفض أيضًا تبنّي ذلك التعريف، معتبرًا أنه قد يعوق قدرة الشرطة والهيئات العامة على التعامل مع قضايا التطرف أو النقد الديني.
ردود فعل المنظمات الإسلامية والحقوقية
في المقابل، عبّرت منظمات تمثل الجاليات المسلمة عن قلقها من استبدال المصطلح، معتبرة أن حذف كلمة إسلاموفوبيا قد يُضعف الوعي العام بطبيعة التمييز الذي يواجهه المسلمون في بريطانيا.
وقال المجلس الإسلامي البريطاني إن المشكلة ليست في المصطلح، بل في غياب الإرادة السياسية لمعالجة مظاهر الكراهية الممنهجة ضد المسلمين، مشيرًا إلى أن الإحصاءات الرسمية أظهرت أن أكثر من 40% من جرائم الكراهية الدينية المسجلة في المملكة المتحدة تستهدف مسلمين.
أما منظمة هيومن رايتس ووتش فقد اعتبرت أن تغيير المصطلح خطوة رمزية يجب أن تتبعها “إجراءات ملموسة لمكافحة التمييز في العمل والإسكان والتعليم"، مشددة على أن حماية حرية التعبير يجب ألا تُستخدم ذريعة لتبرير خطاب الكراهية.
سياق أوروبي متشابه
تزامنت خطوة حزب العمال مع نقاشات مشابهة في أوروبا، إذ تعمل المفوضية الأوروبية منذ عام 2024 على تطوير استراتيجية لمكافحة كراهية المسلمين، بعد تصاعد الاعتداءات على المساجد والمسلمات المحجبات في دول عدة مثل فرنسا وألمانيا وهولندا.
ويرى محللون أن الخلاف حول المصطلحات –بين الإسلاموفوبيا وكراهية المسلمين– يعكس صراعًا أعمق حول موقع الإسلام في المجتمعات الأوروبية العلمانية، وحدود التعبير عن الهوية الدينية في الفضاء العام.
نحو تعريف قانوني أكثر اتساقًا
من المتوقع أن يسهم التعريف الجديد، إن أُقر رسميًا، في توجيه سياسات الحزب المستقبلية بشأن جرائم الكراهية وخطاب التمييز، خصوصًا في ظل تعهّد زعيم حزب العمال كير ستارمر بجعل التصدي للعنصرية بكل أشكالها أحد أولويات الحكومة المقبلة إذا فاز الحزب بالانتخابات العامة المرتقبة.
ويرى خبراء قانونيون أن الخطوة قد تمهّد لاعتماد تعريف رسمي موحّد على مستوى الحكومة البريطانية بأكملها، وهو ما كانت المنظمات الحقوقية تطالب به منذ سنوات لضمان اتساق الإجراءات القانونية والتربوية في مواجهة جرائم الكراهية.
رغم الجدل اللغوي والسياسي، تبقى القضية في جوهرها إنسانية، فملايين المسلمين في بريطانيا يريدون أن يُعترف بمعاناتهم اليومية دون المساس بحرية النقاش العام، وبين المصطلحين الإسلاموفوبيا وكراهية المسلمين، يظل التحدي الحقيقي هو في تحويل الكلمات إلى سياسات عادلة ومتكافئة تضمن الأمن والاحترام لجميع المواطنين.